لم تتبلور العلوم السياسية (Sciences Politiques) إلا في آواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بإنشاء المدرسة الحرة في العلوم السياسية في باريس عام1872م، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسة. وبعد ذلك، ازدهر هذا العلم في جامعات أوروبا بصفة عامة، وجامعات أمريكا بصفة خاصة.
أما علم الاجتماع السياسي (Sociologie
politique)، فلم يظهر إلا في فترة متأخرة مقارنة بالعلوم السياسية، وبالضبط
في أواخر النصف الأول من القرن العشرين (1945م).
ولكن ثمة كتابات ومؤلفات قديمة تتضمن قرائن ومؤشرات
وعلامات دالة على وجود علم الاجتماع السياسي، بطريقة من الطرائق، كما يبدو ذلك
جليا عند أفلاطون في كتابه الجمهورية، وأرسطو في كتابه (السياسة)؛ وكذلك عند
المثقفين العرب الذين اهتموا بالكتابات السلطانية أو بمبادىء السياسية الشرعية،
أمثال: أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه (تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة،
والقلقشندي في كتابه (مآثر الإناقة في معالم الخلافة، وابن أبي الربيع في كتابه
(سلوك المالك في تدبير الممالك، وخليل بن شاهين الظاهري في كتابه (كتاب زبدة كشف
الممالك وبيان الطرق والمسالك، والجويني في كتابه (غياث الأمم في التياث الظلم)،
والماروردي في كتابيه: الأحكام السلطانية والولايات الدينيةوقوانين الوزارة وسياسة
الملك وأبو يعلى الفراء في كتابه الأحكام السلطانية، والقنوجي في كتابه (إكليل
الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة وابن الأزرق في كتابه (بدائع السلك في طبائع
الملكوالغزالي في كتابه فضائح الباطنيةإلى جانب كتابات كل من: الفارابي، وابن
سينا، وابن طفيل، والبيروني، وإخوان الصفا، وغيرهم...
وثمة مفكرون غربيون آخرون تناولوا علاقة السياسة
بالمجتمع، أمثال: سانت أوغيسطين صاحب كتاب (مدينة الله)، وميكيافيلي في كتابه
(الأمير)، وجيامباتيستيا فيكو في كتابه (العلم الجديد)، ومونتيسكيو في كتابه (روح
القوانين)، وطوماس هوبز في كتابه (التنين)، وجون لوك في كتابه (المختصر في الحكومة
المدنية)، وسبينوزا في كتابه (المختصر السياسي)...
وعلى الرغم من ذلك، لم يتبلور علم الاجتماع السياسي،
على الصعيد الأكاديمي والعلمي والمؤسساتي، إلا في منتصف القرن العشرين، إلا أنه
يتداخل كثيرا مع العلوم السياسية إلى درجة يصعب التفريق بينهما[2]، لاشتراكهما في
كثير من المواضيع الاجتماعية والسياسية، مثل: الدولة، والأنظمة التمثيلية،
والدستور، والنخبة، والحزب، والنقابة، وجماعات الضغط، والرأي العام، والمنظمات
الاجتماعية والسياسية... وفي هذا، يقول موريس دوفرجيه (Maurice
Duverger) في كتابه (علم اجتماع السياسة):" إن مفردات علم السياسية
وعلم الاجتماع السياسي مترادفة تقريبا. ففي الكثير من الجامعات الأمريكية يتحدثون
عن القضايا نفسها في علم السياسة عندما تعالج في إطار قسم علم السياسة، وفي علم
الاجتماع السياسي عندما تعالج في إطار قسم علم الاجتماع.أما في فرنسا، فإن تعبير
علم الاجتماع السياسي يسجل غالبا قطيعة مع المناهج القانونية أو الفلسفية التي
هيمنت طويلا على علم السياسة، وإرادة تحليل بواسطة مناهج أكثر علمية.هذه الفوارق
ليس لها أهمية عملية.
مجالات علم الاجتماع وفوائده
مع التوسُّع
الحاصل في العلوم الإنسانيّة عموماً، وعلم الاجتماع على وجه الخصوص، يتبدَّى لنا
وجود مجموعة من المجالات المشتركة بين علم الاجتماع، والعلوم الأخرى، كعلم النفس،
والأنثروبولوجيا، والعلوم السياسيّة، وغيرها، وهذا التشارك يُثري العلوم كلّها،
ممّا يعني تكاتُف الجهود؛ لتحقيق إنتاج علميّ مُتكامِل، إلّا أنّه لا بُدّ ابتداءً
من توضيح ميدان عمل المُتخصِّصين في علم الاجتماع؛ حيث إنّهم يدرسون عادات الناس،
وقِيَمهم، وما ينشأ عنها من سلوكيّات، وتفاعل مجتمعيّ مشترك، علماً بأنّ من أبرز
مجالات علم الاجتماع ما يلي
علم الاجتماع النظريّ:
حيث يهتمُّ
بالنظريّات المهمّة في علم الاجتماع، كنظريّات كارل ماركس، وغيره. علم اجتماع
القانون: حيث ينظر فيه إلى القانون بصفته وسيلة رقابيّة، ونظاماً يضبط أخلاق
المجتمع، خاصّة وأنّه مُرتبط بالعلاقات الأسريّة.
علم اجتماع السياسة: يهتمّ هذا المجال بدراسة
الانتماءات الفكريّة للمجموعات، والمجتمع، بما في ذلك الأحزاب السياسيّة،
ومُؤسّسات المجتمع، والثقافة، والإعلام. علم اجتماع الاقتصاد: تعتمد المجتمعات على
عدّة أنشطة اقتصاديّة، حيث تتفاوت فيها نِسَب الاستهلاك، والتوزيع، وهذا ما يتمّ
التطرُّق إليه من منظور اجتماعيّ، دون إغفال العوامل الثقافيّة، والدينيّة.
علم الاجتماع الدينيّ:
حيث يُعتقَد
بأنّ المجتمعات كلّها تتأثّر بهذا المجال؛ ولذلك فهو يعتمد على قياس، وتحليل مدى
تأثير، وفاعليّة المعتقدات الدينيّة في الحياة الاجتماعيّة اليوميّة. علم الاجتماع
المعرفيّ: يُعَدّ من المجالات الحديثة في علم الاجتماع على اعتبار أنّ المجتمع
يُؤثِّر في المعرفة، وأنّ المعرفة تكون بذلك نتيجة مُستخلَصة من عدّة ظواهر
اجتماعيّة.
علم الاجتماع
التاريخيّ:
حيث تكون المجتمعات المعنيّة بالدراسة، والتحليل
مجتمعات من الماضي، ممّا يعني دراسة نشأتها، وتطوُّر حياتها، وأسباب هزيمتها،
وانتصارها، وسُنَن مجتمعها، ومعتقداته.
علم اجتماع الريف والحَضَر:
يركِّز كلٌّ
من هذَين المجالين على طبيعة المجتمع، وأثر البيئة المحيطة فيه، من حيث التسارع
التنمويّ لدى سُكّان المُدن، وكلّ ما يُميِّز حياتهم عن حياة الريف المُتمسِّكة
بالتقاليد، والمحافظة على حياة اجتماعيّة أقلّ تعقيداً، وأكثر تماسُكاً من سُكّان
الحَضَر. مجالات أخرى: سواء كانت فرعيّة، أو رئيسيّة يدرسها المُتخصِّصون في علم
الاجتماع، ومنها:


0 تعليق على موضوع : اهم مجالات البحوث المعاصرة في علم المجتمع
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات